فصل: وقد أجمع العلماء‏:‏ على أن الرجل إن مات وليس له من القرباء إلا ابن كافر، أن إرثه يكون للمسلمين بأخوة الإسلام

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن **


ومن آثار هذه العصبية النسبية قول أبي طالب فيه صلى الله عليه وسلم‏:‏ والله لن يصلوا إليك بجمعهم حتى أوسَّد في التُّراب دفينا

كما قدمنا في سورة هود‏.‏

وقد نفع الله بتلك العصبية النسبية شعيبًا عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام كما قال تعالى عن قومه‏:‏ ‏{‏قَالُواْ يَا شُعَيْبُ مَا نَفْقَهُ كَثِيراً مِّمَّا تَقُولُ وَإِنَّا لَنَرَاكَ فِينَا ضَعِيفاً وَلَوْلاَ رَهْطُكَ لَرَجَمْنَاكَ وَمَا أَنتَ عَلَيْنَا بِعَزِيزٍ‏}‏‏.‏

وقد نفع الله بها نبيه صالحًا أيضًا عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام‏.‏ كما أشار تعالى لذلك بقوله‏:‏ ‏{‏قَالُوا تَقَاسَمُوا بِاللَّهِ لَنُبَيِّتَنَّهُ وَأَهْلَهُ ثُمَّ لَنَقُولَنَّ لِوَلِيِّهِ مَا شَهِدْنَا مَهْلِكَ أَهْلِهِ وَإِنَّا لَصَادِقُونَ‏}‏ فقد دلت الآية على أنهم يخافون من أولياء صالح، ولذلك لم يفكروا أن يفعلوا به سوءًا إلا ليلًا خفية‏.‏ وقد عزموا أنهم إن فعلوا به ذلك أنكروا وحلفوا لأوليائه أنهم ما حضروا ما وقع بصالح خوفًا منهم‏.‏ ولما كان لوط عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام لا عصبة له في قومه ظهر فيه أثر ذلك حتى قال‏:‏ ‏{‏لَوْ أَنَّ لِي بِكُمْ قُوَّةً أَوْ آوِي إِلَى رُكْنٍ شَدِيدٍ‏}‏ وقد قدمنا هذا مستوفى في ‏"‏سورة هود‏"‏‏.‏

فيلزم الناظر في هذه المسألة أن يفرق بين الأمرين، ويعلم أن النداء بروابط القوميات لا يجوز على كل حال، ولا سيما إذا كان القصد بذلك القضاء على رابطة الإسلام، وإزالتها بالكلية بدعوى أنه لا يساير التطور الجديد، أو أنه جمود وتأخر عن مسايرة ركب الحضارة‏.‏ نعوذ بالله من طمس البصيرة‏.‏ وأن منع النداء بروابط القوميات لا ينافي أنه ربما انتفع المسلم بنصرة قريبه الكافر بسبب العواطف النسبية والأواصر العصبية التي لا تمت إلى الإسلام بصلة، كما وقع من أبي طالب للنبي صلى الله عليه وسلم، وقد ثبت في الصحيح عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال‏:‏ ‏"‏إن الله يؤيد هذا الدِّين بالرجل الفاجر‏"‏ ولكن تلك القرابات النسبية لا يجوز أن تجعل هي الرابطة بين المجتمع‏.‏ لأنها تشمل المسلم والكافر، ومعلوم أن المسلم عدو الكافر، كما قال تعالى‏:‏ ‏{‏لَا تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ‏}‏، كما تقدم‏.‏

والحاصل ـ أن الرابطة الحقيقية التي تجمع المفترق وتؤلف المختلف هي رابطة ‏"‏لا إله إلا الله‏"‏ ألا ترى أن هذه الرابطة التي تجعل المجتمع الإسلامي كله كأنه جسد واحد، وتجعله كالبنيان يشد بعضه بعضًا، عطفت قلوب حملة العرش ومن حوله من الملائكة على بني آدم في الأرض مع ما بينهم من الاختلاف‏.‏ قال تعالى‏:‏ ‏{‏الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيُؤْمِنُونَ بِهِ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَّحْمَةً وَعِلْماً فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تَابُوا وَاتَّبَعُوا سَبِيلَكَ وَقِهِمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ رَبَّنَا وَأَدْخِلْهُمْ جَنَّاتِ عَدْنٍ الَّتِي وَعَدتَّهُم وَمَن صَلَحَ مِنْ آبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ إِنَّكَ أَنتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ وَقِهِمُ السَّيِّئَاتِ وَمَن تَقِ السَّيِّئَاتِ يَوْمَئِذٍ فَقَدْ رَحِمْتَهُ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ‏}‏‏.‏ فقد أشار تعالى إلى أن الرابطة التي رَبَطَتْ بين حملة العرش ومن حوله، وبين بني آدم في الأرض حتى دعوا الله لهم هذا الدعاء الصالح العظيم، إنما هي الإيمان بالله جلَّ وعلا‏.‏ لأنه قال عن الملائكة‏:‏ ‏{‏وَيُؤْمِنُونَ بِهِ‏}‏ فوصفهم بالإيمان‏.‏ وقال عن بني آدم في استغفار الملائكة لهم ‏{‏وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا‏}‏ فوصفهم أيضًا بالإيمان‏.‏ فدل ذلك على أن الرابطة بينهم هي الإيمان وهو أعظم رابطة‏.‏

ومما يوضح لك أن الرابطة الحقيقية هي دين الإسلام ـ قوله تعالى في أبي لهب عم النَّبي صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏{‏سَيَصْلَى نَاراً ذَاتَ لَهَبٍ‏}‏ ويقابل ذلك بما لسلمان الفارسي من الفضل والمكانة عند النَّبي صلى الله عليه وسلم والمسلمين، وقد جاء عن النَّبي صلى الله عليه وسلم أنه قال فيه‏:‏ ‏"‏سَلمان منا أهل البيت‏"‏ رواه الطبراني والحاكم في المستدرك، وجعل عليه صاحب الجامع الصغير علامة الصحة‏.‏ وضعفه الحافظ الذهبي‏.‏ وقال الهيتمي فيه، عند الطبراني كثير بن عبد الله المزني ضعفه الجمهور، وبقية رجاله ثقات‏.‏ وقد أجاد من قال‏:‏

لقد رفع الإسلام سلمان فارس وقد وضع الكفر الشريف أبا لهب

وقد أجمع العلماء‏:‏ على أن الرجل إن مات وليس له من القرباء إلا ابن كافر، أن إرثه يكون للمسلمين بأخوة الإسلام

ولا يكون لولده لصلبه الذي هو كافر، والميراث دليل القرابة‏.‏ فدل ذلك على أن الأخوة الدينية أقرب من النبوة النسبية‏.‏

وبالجملة، فلا خلاف بين المسلمين أن الرابطة التي تربط أفراد أهل الأرض بعضهم ببعض، وتربط بين أهل الأرض والسماء، هي رابطة ‏"‏لا إله إلا الله‏"‏ فلا يجوز البتة النداء برابطة غيرها‏.‏ ومن والى الكفار بالروابط النسبية محبة لهم، ورغبة فيهم يدخل في قوله تعالى ‏{‏وَمَن يَتَوَلَّهُمْ مِّنكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ‏}‏، وقوله تعالى‏:‏ ‏{‏إِلاَّ تَفْعَلُوهُ تَكُن فِتْنَةٌ فِي الأَرْضِ وَفَسَادٌ كَبِيرٌ‏}‏ والعلم عند الله تعالى‏.‏

وبالجملة ـ فالمصالح التي عليها مدار الشرائع ثلاثة‏:‏

الأولى ـ درء المفاسد المعروف عند أهل الأصول بالضروريات‏.‏

والثانية ـ جلب المصالح، المعروف عند أهل الأصول بالحاجيات‏.‏

والثالثة ـ الجري على مكارم الأخلاق ومحاسن العادات، المعروف عند أهل الأصول بالتحسينيات والتتميمات‏.‏ وكل هذه المصالح الثلاث هدى فيها القرآن العظيم للطريق التي هي أقوم الطرق وأعد لها‏.‏

فالضروريات التي هي درء المفاسد ـ إنما هي درؤها عن ستة أشياء‏:‏

الأوَّل ـ الدين، وقد جاء القرآن بالمحافظة عليه بأقوم الطرق وأعد لها‏.‏ كما قال تعالى‏:‏ ‏{‏وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لاَ تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ لِلّهِ‏}‏، وفي آية الأنفال‏:‏ ‏{‏وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلّه‏}‏ وقال تعالى‏:‏ ‏{‏تُقَاتِلُونَهُمْ أَوْ يُسْلِمُونَ‏}‏، وقال صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏أُمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدو أن لا إله إلا الله‏"‏ الحديث، وقال صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏من بدل دينه فاقتلوه‏"‏ إلى غير ذلك من الأدلة على المحافظة على الدين‏.‏

والثاني ـ النفس، وقد جاء القرآن بالمحافظة عليها بأقوم الطرق وأعدلها‏.‏ ولذلك أوجب القصاص درءًا للمفسدة عن الأنفس، كما قال تعالى‏:‏ ‏{‏ولكم في القصاص حياة يا أولي الألباب‏}‏، وقال‏:‏ ‏{‏كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى‏}‏، وقال‏:‏ ‏{‏وَمَن قُتِلَ مَظْلُومًا فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ

سُلْطَانًا‏}‏‏.‏

الثالث ـ العقل، وقد جاء القرآن بالمحافظة عليه بأقوم الطرق وأعدلها‏.‏ قال تعالى‏:‏ ‏{‏يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنصَابُ وَالأَزْلاَمُ رِجْسٌ مِّنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ‏}‏ إلى قوله ‏{‏فَهَلْ أَنتُم مُّنتَهُونَ‏}‏‏.‏ وقال صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏كل مسكر حرام‏"‏، وقال‏:‏ ‏"‏ما أسكر كثيره فقليله حرام‏"‏ كما قدمنا ذلك مستوفى ‏"‏في سورة النحل‏"‏ وللمحافظة على العقل أوجب صلى الله عليه وسلم حد الشارب درءًا للمفسدة عن العقل‏.‏

الرابع ـ النسب، وقد جاء القرآن بالمحافظة عليه بأقوم الطرق وأعدلها‏.‏ ولذلك حرم الزنى وأوجب فيه الحد الرادع، وأوجب العدة على النساء عند المفارقة بطلاق أو موت‏.‏ لئلا يختلط ماء رجل بماء آخر في رحم امرأة محافظة على الأنساب‏.‏ قال تعالى‏:‏ ‏{‏وَلاَ تَقْرَبُواْ الزِّنَى إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاء سَبِيلاً‏}‏، ونحو ذلك من الآيات، وقال تعالى‏:‏ ‏{‏الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا مِئَةَ جَلْدَةٍ‏}‏‏.‏ وقد قدمنا آية الرجم والأدلة الدالة على أنها منسوخة التلاوة باقية الحكم‏.‏ وقال تعالى في إيجاب العدة حفظًا للأنساب‏:‏ ‏{‏وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ ثَلاَثَةَ قُرُوَءٍ‏}‏، وقال‏:‏ ‏{‏وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجاً يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْراً‏}‏ وإن كانت عدة الوفاة فيها شبه تعبد لوجوبها مع عدم الخلوة بين الزوجين‏.‏

ولأجل المحافظة على النسب منع سقي زرع الرجل بماء غيره‏.‏ فمنع نكاح الحامل حتى تضع، قال تعالى‏:‏ ‏{‏وَأُوْلَاتُ الْأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَن يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ‏}‏‏.‏

الخامس ـ العِرْض، وقد جاء القرآن بالمحافظة عليه بأقوم الطرق وأعدلها‏.‏ فنهى المسلم عن أن يتكلم في أخيه بما يؤذيه، وأوجب عليه إن رماه بقرية حد القذف ثمانين جلدة‏.‏ قال تعالى‏:‏ ‏{‏وَلَا يَغْتَب بَّعْضُكُم بَعْضاً‏}‏‏.‏ وقبح جلَّ وعلا غيبة المسلم غاية التقبيح‏.‏ بقوله‏:‏ ‏{‏أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَن يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتاً فَكَرِهْتُمُوهُ‏}‏، وقال‏:‏ ‏{‏وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ بِئْسَ الاِسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمَانِ وَمَن لَّمْ يَتُبْ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ‏}‏، وقال في إيجاب حد القاذف‏:‏ ‏{‏وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاء فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلَا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَداً وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا‏}‏‏.‏

السادس ـ المال، وقد جاء القرآن بالمحافظة عليه بأقوم الطرق واعدلها‏.‏ ولذلك منع أخذه بغير حق شرعي، وأوجب على السارق حد السرقة وهو قطع اليد كما تقدم‏.‏ قال تعالى‏:‏ ‏{‏يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَأْكُلُواْ أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلاَّ أَن تَكُونَ تِجَارَةً عَن تَرَاضٍ مِّنكُمْ‏}‏، وقال تعالى‏:‏ ‏{‏وَلاَ تَأْكُلُواْ أَمْوَالَكُم بَيْنَكُم بِالْبَاطِلِ وَتُدْلُواْ بِهَا إِلَى الْحُكَّامِ لِتَأْكُلُواْ فَرِيقاً مِّنْ أَمْوَالِ النَّاسِ بِالإِثْمِ وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ‏}‏، وقال‏:‏ ‏{‏وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُواْ أَيْدِيَهُمَا جَزَاء بِمَا كَسَبَا نَكَالاً مِّنَ اللّهِ وَاللّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ‏}‏‏.‏ وكل ذلك محافظة على المال ودرء للمفسدة عنه‏.‏

المصلحة الثانية ـ جَلْب المصالح، وقد جاء القرآن بجلب المصالح بأقوم الطرق وأعدلها‏.‏ ففتح الأبواب لجلب المصالح في جميع الميادين، قال تعالى ‏{‏فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ فَانتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِن فَضْلِ‏}‏ وقال‏:‏ ‏{‏لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَن تَبْتَغُواْ فَضْلاً مِّن رَّبِّكُمْ‏}‏، وقال‏:‏ ‏{‏يَضْرِبُونَ فِي الْأَرْضِ يَبْتَغُونَ مِن فَضْلِ اللَّهِ وَآخَرُونَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ‏}‏، وقال‏:‏ ‏{‏بِالْبَاطِلِ إِلاَّ أَن تَكُونَ تِجَارَةً عَن تَرَاضٍ مِّنكُمْ‏}‏‏.‏

ولأجل هذا جاء الشرع الكريم بإباحة المصالح المتبادلة بين أفراد المجتمع على الوجه المشروع‏.‏ ليستجلب كل مصلحته من الآخر، كالبيوع، والإجارات والأكرية والمساقاة والمضاربة، وما جرى مجرى ذلك‏.‏

المصلحة الثالثة ـ الجري على مكارم الأخلاق ومحاسن العادات، وقد جاء القرآن بذلك بأقوم الطرق وأعدلها‏.‏ والحض على مكارم الأخلاق ومحاسن العادات كثير جدًا في كتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم‏.‏ ولذلك لما سُئلت عائشة رضي الله عنها عن خلقه صلى الله عليه وسلم قالت‏:‏ ‏"‏كان خُلقه القرآن‏"‏ لأن القرآن يشتمل على جميع مكارم الأخلاق‏.‏ لأن الله تعالى يقول في نبيه صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏{‏وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ‏}‏‏.‏

فدل مجموع الآية وحديث عائشة على أن المتصف بما في القرآن من مكارم الأخلاق‏:‏ أنه يكون على خُلق عظيم، وذلك لعظم ما في القرآن من مكارم الأخلاق، وسنذكر لك بعضًا من ذلك تنبيهًا به على غيره‏.‏

فمن ذلك قوله تعالى‏:‏ ‏{‏وَإِن طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِن قَبْلِ أَن تَمَسُّوهُنَّ وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ إَلاَّ أَن يَعْفُونَ أَوْ يَعْفُوَ الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ وَأَن تَعْفُواْ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَلاَ تَنسَوُاْ الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ إِنَّ اللّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ‏}‏‏.‏

فانظر ما في هذه الآية من الحضّ على مكارم الأخلاق من الأمر بالعفو والنهي عن نسيان الفضل‏.‏ وقال تعالى ‏{‏وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ أَن صَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ أَن تَعْتَدُواْ وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبرِّ وَالتَّقْوَى وَلاَ تَعَاوَنُواْ عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُواْ اللّهَ إِنَّ اللّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ‏}‏، وقال تعالى‏:‏ ‏{‏وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلاَّ تَعْدِلُواْ اعْدِلُواْ هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُواْ اللّهَ إِنَّ اللّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ‏}‏‏.‏ فانظر ما في هذه الآيات من مكارم الأخلاق، والأمر بأن تُعامل من عَصى الله فيك بأن تُطيعه فيه‏.‏ وقال تعالى‏:‏ ‏{‏وَاعْبُدُواْ اللّهَ وَلاَ تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئاً وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالجَنبِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ إِنَّ اللّهَ لاَ يُحِبُّ مَن كَانَ مُخْتَالاً فَخُوراً‏}‏ فانظر إلى هذا من مكارم الأخلاق، والأمر بالإحسان إلى المحتاجين والضعفاء، وقال تعالى‏:‏ ‏{‏إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاء ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ‏}‏، وقال تعالى‏:‏ ‏{‏يَا بَنِي آدَمَ خُذُواْ زِينَتَكُمْ عِندَ كُلِّ مَسْجِدٍ‏}‏، وقال‏:‏ ‏{‏وَلاَ تَقْرَبُواْ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ‏}‏، وقال تعالى‏:‏ ‏{‏وَالَّذِينَ لَا يَشْهَدُونَ الزُّورَ وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرَاماً‏}‏، وقال تعالى‏:‏ ‏{‏وَإِذَا سَمِعُوا اللَّغْوَ أَعْرَضُوا عَنْهُ وَقَالُوا لَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ سَلَامٌ عَلَيْكُمْ لَا نَبْتَغِي الْجَاهِلِينَ‏}‏ إلى غير ذلك من الآيات الدالة على ما يدعو إليه القرآن من مكارم الأخلاق، ومحاسن العادات‏.‏

ومن هدي القرآن للتي هي أقوم ـ هديه إلى حل المشاكل العالمية بأقوم الطرق وأعدلها‏.‏ ونحن دائمًا في المناسبات نبين هدي القرآن العظيم إلى حل ثلاث مشكلات، هي من أعظم ما يعانيه العالم في جميع المعمورة ممن ينتمي إلى الإسلام، ـ تنبيهًا بها على غيرها‏:‏ المشكلة الأولى ـ هي ضعف المسلمين في أقطار الدنيا في العدد والعدد عن مقاومة الكفار‏.‏ وقد هدى القرآن العظيم إلى حل هذه المشكلة بأقوم الطرق وأعدلها‏.‏ فبين أن علاج الضعف عن مقاومة الكفار إنما هو بصدق التوجه إلى الله تعالى، وقوة الإيمان به والتوكل عليه‏.‏ لأن الله قوي عزيز، قاهر لكل شيء‏.‏ فمن كان من حزبه على الحقيقة لا يمكن أن يغلبه الكفار ولو بلغوا من القوة ما بلغوا‏.‏

فمن الأدلة المبينة لذلك‏:‏ أن الكفار لما ضربوا على المسلمين ذلك الحصار العسكري العظيم في غزوة الأحزاب المذكور في قوله تعالى ‏{‏إِذْ جَاؤُوكُم مِّن فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنكُمْ وَإِذْ زَاغَتْ الْأَبْصَارُ وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَا هُنَالِكَ ابْتُلِيَ الْمُؤْمِنُونَ وَزُلْزِلُوا زِلْزَالاً شَدِيداً‏}‏ كان علاج ذلك هو ما ذكرنا‏.‏ فانظر شدة هذا الحصار العسكري وقوة أثره في المسلمين، مع أن جميع أهل الأرض في ذلك الوقت مقاطعوهم سياسة واقتصادًا‏.‏ فإذا عرفت ذلك فاعلم أن العلاج الذي قابلوا به هذا الأمر العظيم، وحلوا به هذه المشكلة العظمى، هو ما بينه جلَّ وعلا ‏(‏في سورة الأحزاب‏)‏ بقوله‏:‏ ‏{‏وَلَمَّا رَأَى الْمُؤْمِنُونَ الْأَحْزَابَ قَالُوا هَذَا مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَمَا زَادَهُمْ إِلَّا إِيمَاناً وَتَسْلِيماً‏}‏‏.‏

فهذا الإيمان الكامل، وهذا التسليم العظيم لله جلَّ وعلا، ثقةً به، وتوكلًا عليه، هو سبب حل هذه المشكلة العظمَى‏.‏

وقد صرح الله تعالى بنتيجة هذا العلاج بقوله تعالى‏:‏ ‏{‏وَرَدَّ اللَّهُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِغَيْظِهِمْ لَمْ يَنَالُوا خَيْراً وَكَفَى اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتَالَ وَكَانَ اللَّهُ قَوِيّاً عَزِيزاً وَأَنزَلَ الَّذِينَ ظَاهَرُوهُم مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مِن صَيَاصِيهِمْ وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ فَرِيقاً تَقْتُلُونَ وَتَأْسِرُونَ فَرِيقاً وَأَوْرَثَكُمْ أَرْضَهُمْ وَدِيَارَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ وَأَرْضاً لَّمْ تَطَؤُوهَا وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيراً‏}‏‏.‏

وهذا الذي نصرهم الله به على عدوهم ما كانوا يظنونه، ولا يحسبون أنهم ينصرون به وهو الملائكة والريح‏.‏ قال تعالى‏:‏ ‏{‏يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَاءتْكُمْ جُنُودٌ فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحاً وَجُنُوداً لَّمْ تَرَوْهَا وَكَانَ اللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيراً‏}‏ ولما علم جلَّ وعلا من أهل بيعة الرضوان الإخلاص الكامل، ونوه عن إخلاصهم بالاسم المبهم الذي هو الموصول في قوله‏:‏ ‏{‏لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحاً قَرِيباً‏}‏‏:‏ أي من الإيمان والإخلاص ـ كان من نتائج ذلك ما ذكره الله جلَّ وعلا في قوله ‏{‏وَأُخْرَى لَمْ تَقْدِرُوا عَلَيْهَا قَدْ أَحَاطَ اللَّهُ بِهَا وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيراً‏}‏ فصرح جلَّ وعلا في هذه الآية بأنهم لم يقدروا عليها، وأن الله جلَّ وعلا أحاط بها فأقدرهم عليها، وذلك من نتائج قوة إيمانهم وشدة إخلاصهم‏.‏

فدلت الآية على أن الإخلاص لله وقوة الإيمان به، هو السبب لقدرة الضعيف على القوي وغلبته له ‏{‏كَم مِّن فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللّهِ وَاللّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ‏}‏، وقوله تعالى في هذه الآية‏:‏ ‏{‏لَمْ تَقْدِرُوا عَلَيْهَا‏}‏ فعل في سياق النفي، والفعل في سياق النفي من صيغ العموم على التحقيق، كما تقرر في الأصول‏.‏ ووجهه ظاهر‏.‏ لأن الفعل الصناعي ‏"‏أعني الذي يسمى في الاصطلاح فعل الأمر أو الفعل الماضي أو الفعل المضارع‏"‏ ينحل عند النحويين، وبعض البلاغيين عن مصدر وزمن، كما أشار له في الخلاصة بقوله‏:‏ المصدر اسم ما سوى الزمان من مدلولي الفعل كأمن من أمن

وعند جماعة من البلاغيين ينحل عن مصدر وزمن ونسبة، وهذا هو الظاهر كما حرره بعض البلاغيين، في بحث الاستعارة التبعية‏.‏

فالمصدر إذن كامن في مفهوم الفعل إجماعًا‏.‏ فيتسلط النفي الداخل على الفعل على المصدر الكامن في مفهومه، وهو في المعنى نكرة‏.‏ إذ ليس له سبب يجعله معرفة، فيؤول إلى معنى النكرة في سياق النفي، وهي من صيغ العموم‏.‏

فقوله‏:‏ ‏{‏لَمْ تَقْدِرُوا عَلَيْهَا‏}‏ في معنى لا قدرة لكم عليها، وهذا يعم سلب جميع أنواع القدرة‏.‏ لأن النكرة في سياق النفي تدل على عموم السلب وشموله لجميع الأفراد الداخلة تحت العنوان‏.‏ كما هو معروف في محله‏.‏

وبهذا تعلم أن جميع أنواع القدرة عليها مسلوب عنهم، ولكن الله جلَّ وعلا أحاط بها فأقدرهم عليها‏.‏ لما علم من الإيمان والإخلاص في قلوبهم ‏{‏وَإِنَّ جُندَنَا لَهُمُ الْغَالِبُونَ‏}‏‏.‏

المشكلة الثانية

هي تسليط الكفار على المؤمنين بالقتل والجراح وأنواع الإيذاء ـ مع أن المسلمين على الحق‏.‏

والكفار على الباطل‏.‏

وهذه المشكلة استشكلها أصحاب النَّبي صلى الله عليه وسلم‏.‏ فأفتى الله جل وعلا فيها، وبين السبب في ذلك بفتوى سماوية تتلى في كتابه جلَّ وعلا‏.‏

وذلك أنه لما وقع ما وقع بالمسلمين يوم أحد‏:‏ فقتل عم رسول الله صلى الله عليه وسلم وابن عمته، ومثل بهما، وقتل غيرهما من المهاجرين، وقتل سبعون رجلًا من الأنصار، وجرح صلى الله عليه وسلم، وشُقَّت شفته، وكسرت رباعيته، وشج صلى الله عليه وسلم‏.‏

استشكل المسلمون ذلك وقالوا‏:‏ كيف يدال منا المشركون‏؟‏ ونحن على الحق وهم على الباطل‏؟‏? فأنزل الله قوله تعالى‏:‏ ‏{‏أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُم مُّصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُم مِّثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَـذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِندِ أَنْفُسِكُمْ إِنَّ اللّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ‏}‏‏.‏ وقوله تعالى‏:‏ ‏{‏قُلْ هُوَ مِنْ عِندِ أَنْفُسِكُمْ‏}‏‏.‏ فيه إجمال بينه تعالى بقوله‏:‏ ‏{‏وَلَقَدْ صَدَقَكُمُ اللّهُ وَعْدَهُ إِذْ تَحُسُّونَهُم بِإِذْنِهِ حَتَّى إِذَا فَشِلْتُمْ وَتَنَازَعْتُمْ فِي الأَمْرِ وَعَصَيْتُم مِّن بَعْدِ مَا أَرَاكُم مَّا تُحِبُّونَ مِنكُم مَّن يُرِيدُ الدُّنْيَا وَمِنكُم مَّن يُرِيدُ الآخِرَةَ ثُمَّ صَرَفَكُمْ عَنْهُمْ لِيَبْتَلِيَكُمْ وَلَقَدْ عَفَا عَنكُمْ وَاللّهُ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ‏}‏‏.‏

ففي هذه الفتوى السماوية بيان واضح‏.‏ لأن سبب تسليط الكفار على المسلمين هو فشل المسلمين، وتنازعهم في الأمر، وعصيانهم أمره صلى الله عليه وسلم، وإرادة بعضهم الدنيا مقدمًا لها على أمر الرسول صلى الله عليه وسلم‏.‏ وقد أوضحنا هذا في سورة ‏"‏آل عمران‏"‏ ومن عرف أصل الداء‏.‏ عرف الدواء‏.‏ كما لا يخفى‏.‏

المشكلة الثالثة

هي اختلاف القلوب الذي هو أعظم الأسباب في القضاء على كيان الأمة الإسلامية‏.‏ لاستلزامه الفشل، وذهاب القوة والدولة‏.‏ كما قال تعالى‏:‏ ‏{‏وَأَطِيعُواْ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَلاَ تَنَازَعُواْ فَتَفْشَلُواْ وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُواْ إِنَّ اللّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ‏}‏‏.‏

وقد أوضحنا معنى هذه الآية في سورة ‏"‏الأنفال‏"‏‏.‏

فترى المجتمع الإسلامي اليوم في أقطار الدنيا يضمر بعضهم لبعض العداوة والبغضاء، وإن جامل بعضهم بعضًا فإنه لا يخفى على أحد أنها مجاملة، وأن ما تنطوي عليه الضمائر مخالف لذلك‏.‏

وقد بين تعالى في سورة ‏"‏الحشر‏"‏ أن سبب هذا الداء الذي عَمت به البلوى إنما هو ضعف العقل‏.‏ قال تعالى‏:‏ ‏{‏تَحْسَبُهُمْ جَمِيعاً وَقُلُوبُهُمْ شَتَّى‏}‏ ثم ذكر العلة لكون قلوبهم شتى بقوله‏:‏ ‏{‏ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَّا يَعْقِلُونَ‏}‏‏.‏ ولا شك أن داء ضعف العقل الذي يصيبه فيضعفه عن إدراك الحقائق، وتمييز الحق من الباطل، والنافع من الضار، والحسن من القبيح، لا دواء له إلا إنارته بنور الوحي‏.‏ لأن نور الوحي يحيا به من كان ميتًا ويضيء الطريق للمتمسِّك به‏.‏ فيريه الحق حقًا والباطل باطلًا، والنافع نافعًا، والضار ضارًا‏.‏ قال تعالى‏:‏ ‏{‏أَوَ مَن كَانَ مَيْتاً فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُوراً يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَن مَّثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِّنْهَا كَذَلِكَ زُيِّنَ لِلْكَافِرِينَ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ‏}‏، وقال تعالى‏:‏ ‏{‏اللّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُواْ يُخْرِجُهُم مِّنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّوُرِ‏}‏ ومن أخرج من الظلمات إلى النور أبصر الحق، لأن ذلك النور يكشف له عن الحقائق فيريه الحق حقًا، والباطل باطلًا، وقال تعالى‏:‏ ‏{‏أَفَمَن يَمْشِي مُكِبّاً عَلَى وَجْهِهِ أَهْدَى أَمَّن يَمْشِي سَوِيّاً عَلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ‏}‏، وقال تعالى‏:‏ ‏{‏وَمَا يَسْتَوِي الْأَعْمَى وَالْبَصِيرُ وَلَا الظُّلُمَاتُ وَلَا النُّورُ وَلَا الظِّلُّ وَلَا الْحَرُورُ وَمَا يَسْتَوِي الْأَحْيَاء وَلَا الْأَمْوَاتُ‏}‏، وقال تعالى‏:‏ ‏{‏مَثَلُ الْفَرِيقَيْنِ كَالأَعْمَى وَالأَصَمِّ وَالْبَصِيرِ وَالسَّمِيعِ هَلْ يَسْتَوِيَانِ مَثَلاً أَفَلاَ تَذَكَّرُونَ‏}‏، إلى غير ذلك من الآيات الدالة على أن الإيمان يكسب الإنسان حياة بدلًا من الموت الذي كان فيه، ونورًا بدلًا من الظلمات التي كان فيها‏.‏

وهذا النور عظيم يكشف الحقائق كشفًا عظيمًا‏.‏ كما قال تعالى‏:‏ ‏{‏مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ الْمِصْبَاحُ فِي زُجَاجَةٍ‏}‏ إلى قوله زُجَاجَةٍ الزُّجَاجَةُ كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّىٌّ يُوقَدُ مِن شَجَرَةٍ مُّبَارَكَةٍ زَيْتُونَةٍ لاَّ شَرْقِيَّةٍ وَلاَ غَرْبِيَّةٍ يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِىءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ نُّورٌ عَلَى نُورٍ يَهْدِى اللَّهُ لِنُورِهِ مَن يَشَآءُ وَيَضْرِبُ اللَّهُ الاٌّمْثَالَ لِلنَّاسِ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَىْءٍ عَلَيِمٌ‏}‏ ـ ولما كان تتبع جميع ما تدل عليه هذه الآية الكريمة من هدي القرآن للتي هي أقوم ـ يقتضي تتبع جميع القرآن وجميع السنة لأن العمل بالسنة من هدي القرآن للتي هي أقوم‏.‏ لقوله تعالى‏:‏ ‏{‏إِنَّ هَـذَا الْقُرْآنَ يِهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْراً كَبِيراً‏}‏ ـ ولما كان تتبع جميع ما تدل عليه هذه الآية الكريمة من هدي القرآن للتي هي أقوم ـ يقتضي تتبع جميع القرآن وجميع السنة لأن العمل بالسنة من هدي القرآن للتي هي أقوم‏.‏ لقوله تعالى‏:‏ ‏{‏وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا‏}‏ وكان تتبع جميع ذلك غير ممكن في هذا الكتاب المبارك، اقتصرنا على هذه الجمل التي ذكرنا من هدي القرآن للتي هي أقوم تنبيهًا بها على غيرها والعلم عند الله تعالى‏.‏ قوله تعالى‏:‏ ‏{‏َيَدْعُ الإِنسَانُ بِالشَّرِّ دُعَاءهُ بِالْخَيْرِ وَكَانَ الإِنسَانُ عَجُولاً‏}‏‏.‏ في هذه الآية الكريمة وجهان من التفسير للعلماء‏.‏ وأحدهما يشهد له قرآن‏.‏

وهو أن معنى الآية ‏{‏َيَدْعُ الإِنسَانُ بِالشَّرِّ‏}‏ كان يدعو على نفسه أو ولده بالهلاك عند الضجر من أمر‏.‏ فيقول اللهم أهلكني، أو أهلك ولدي‏.‏ فيدعو بالشر دعاء لا يحب أن يستجاب له‏.‏ وقوله ‏{‏دُعَاءهُ بِالْخَيْرِ‏}‏ أي يدعو بالشر كما يدعو بالخير فيقول عند الضجر‏:‏ اللهم أهلك ولدي كما يقول في غير وقت الضجر‏:‏ اللهم عافه، ونحو ذلك من الدعاء‏.‏

ولو استجاب الله دعاءه بالشر لهلك‏.‏ ويدل لهذا المعنى قوله تعالى‏:‏ ‏{‏وَلَوْ يُعَجِّلُ اللّهُ لِلنَّاسِ الشَّرَّ اسْتِعْجَالَهُم بِالْخَيْرِ لَقُضِيَ إِلَيْهِمْ أَجَلُهُمْ‏}‏ أي لو عجّل لهم الإجابة بالشر كما يعجل لهم الإجابة بالخير لقضي إليهم أجلهم أي لهلكوا وماتوا‏.‏ فالاستعجال بمعنى التعجيل‏.‏

ويدخل في عداء الإنسان بالشر قول النضر بن الحارث العبدري‏:‏ ‏{‏وَإِذْ قَالُواْ اللَّهُمَّ إِن كَانَ هَـذَا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِندِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً مِّنَ السَّمَاءِ أَوِ ائْتِنَا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ‏}‏‏.‏

وممن فسر الآية الكريمة بما ذكرنا‏:‏ ابن عباس، ومجاهد، وقتادة، وهو أصح التفسيرين لدلالة آية يونس عليه‏.‏

الوجه الثاني في تفسير الآية ـ أن الإنسان كما يدعو بالخير فيسأل الله الجنة، والسلامة من النار، ومن عذاب القبر، كذلك قد يدعو بالشر فيسأل الله أن ييسر له الزنى بمعشوقته، أو قتل مسلم هو عدو له ونحو ذلك‏.‏ ومن هذا القبيل قول ابن جامع‏:‏ ـ

أطوف بالبيت فيمن يطوف وأرفع من مئزري المسبل

وأسجد بالليل حتى الصباح وأتلو من المحكم المنزل

عسى فارج الهم عن يوسف يسخر لي ربة المحمل

قوله تعالى‏:‏ ‏{‏وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ آيَتَيْنِ فَمَحَوْنَا آيَةَ اللَّيْلِ وَجَعَلْنَا آيَةَ النَّهَارِ مُبْصِرَةً لِتَبْتَغُواْ فَضْلاً مِّن رَّبِّكُمْ وَلِتَعْلَمُواْ عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ وَكُلَّ شَيْءٍ فَصَّلْنَاهُ تَفْصِيلاً‏}‏‏.‏ ذكر جلَّ وعلا في هذه الآية الكريمة‏:‏ أنه جعل الليل والنهار آيتين‏.‏ أي علامتين دالتين على أنه الرب المستحق أن يعبد وحده، ولا يشرك معه غيره‏.‏ وكرر تعالى هذا المعنى في مواضع كثيرة‏.‏ كقوله تعالى‏:‏ ‏{‏وَمِنْ آيَاتِهِ اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ‏}‏، وقوله‏:‏ ‏{‏وَآيَةٌ لَّهُمْ اللَّيْلُ نَسْلَخُ مِنْهُ النَّهَارَ فَإِذَا هُم مُّظْلِمُونَ‏}‏، وقوله تعالى‏:‏ ‏{‏إِنَّ فِي اخْتِلاَفِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَمَا خَلَقَ اللّهُ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَّقُونَ‏}‏، وقوله‏:‏ ‏{‏إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلاَفِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لآيات لأولي الألباب‏}‏، وقوله‏:‏ ‏{‏إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلاَفِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِمَا يَنفَعُ النَّاسَ‏}‏ ـ إلى قوله ـ ‏{‏لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ‏}‏، وقوله‏:‏ ‏{‏وَهُوَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ وَلَهُ اخْتِلَافُ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ أَفَلَا تَعْقِلُونَ‏}‏، وقوله‏:‏ ‏{‏وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ خِلْفَةً لِّمَنْ أَرَادَ أَن يَذَّكَّرَ أَوْ أَرَادَ شُكُوراً‏}‏، وقوله‏:‏ ‏{‏خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ يُكَوِّرُ اللَّيْلَ عَلَى النَّهَارِ وَيُكَوِّرُ النَّهَارَ عَلَى اللَّيْلِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لِأَجَلٍ مُسَمًّى أَلَا هُوَ الْعَزِيزُ الْغَفَّارُ‏}‏، وقوله‏:‏ ‏{‏فَالِقُ الإِصْبَاحِ وَجَعَلَ اللَّيْلَ سَكَناً وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ حُسْبَاناً ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ‏}‏، وقوله ‏{‏وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا وَالْقَمَرِ إِذَا تَلَاهَا وَالنَّهَارِ إِذَا جَلَّاهَا وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَاهَا‏}‏، وقوله ‏{‏وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى وَالنَّهَارِ إِذَا تَجَلَّى‏}‏، وقوله‏:‏ ‏{‏وَالضُّحَى وَاللَّيْلِ إِذَا سَجَى‏}‏، إلى غير ذلك من الآيات‏.‏

‏{‏وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ آيَتَيْنِ فَمَحَوْنَا آيَةَ اللَّيْلِ وَجَعَلْنَا آيَةَ النَّهَارِ مُبْصِرَةً لِتَبْتَغُواْ فَضْلاً مِّن رَّبِّكُمْ وَلِتَعْلَمُواْ عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ وَكُلَّ شَيْءٍ فَصَّلْنَاهُ تَفْصِيلاً وَكُلَّ إِنسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَآئِرَهُ فِي عُنُقِهِ وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كِتَاباً يَلْقَاهُ مَنشُوراً اقْرَأْ كَتَابَكَ كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيباً مَّنِ اهْتَدَى فَإِنَّمَا يَهْتَدي لِنَفْسِهِ وَمَن ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً‏}‏

وقوله تعالى في هذه الآية الكريمة‏:‏ ‏{‏وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ آيَتَيْنِ فَمَحَوْنَا آيَةَ اللَّيْلِ وَجَعَلْنَا آيَةَ النَّهَارِ مُبْصِرَةً لِتَبْتَغُواْ فَضْلاً مِّن رَّبِّكُمْ وَلِتَعْلَمُواْ عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ وَكُلَّ شَيْءٍ فَصَّلْنَاهُ تَفْصِيلاً‏}‏ يعني أنه جعل الليل مظلمًا مناسبًا للهدوء والراحة، والنهار مضيئًا مناسبًا للحركة والاشتغال بالمعاش في الدنيا‏.‏ فيسعون في معاشهم في النهار، ويستريحون من تعب العمل بالليل‏.‏ ولو كان الزمن كله ليلًا لصعب عليهم العمل في معاشهم، ولو كان كله نهارًا لأهلكهم التعب من دوام العمل‏.‏

فكما أن الليل والنهار آيتان من آياته جلَّ وعلا، فهما أيضًا نعمتان من نعمه جلَّ وعلا‏.‏

وبين هذا المعنى المشار إليه هنا في مواضع أخر، كقوله‏:‏ ‏{‏قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِن جَعَلَ اللَّهُ عَلَيْكُمُ اللَّيْلَ سَرْمَداً إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَنْ إِلَهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُم بِضِيَاء أَفَلَا تَسْمَعُونَ قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِن جَعَلَ اللَّهُ عَلَيْكُمُ النَّهَارَ سَرْمَداً إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَنْ إِلَهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُم بِلَيْلٍ تَسْكُنُونَ فِيهِ أَفَلَا تُبْصِرُونَ وَمِن رَّحْمَتِهِ جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ وَلِتَبْتَغُوا مِن فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ‏}‏‏.‏

فقوله‏:‏ ‏{‏لِتَسْكُنُوا فِيهِ‏}‏ أي في الليل‏.‏ وقوله‏:‏ ‏{‏وَلِتَبْتَغُوا مِن فَضْلِهِ‏}‏ أي في النهار وقوله‏:‏ ‏{‏وَجَعَلْنَا نَوْمَكُمْ سُبَاتاً وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ لِبَاساً وَجَعَلْنَا النَّهَارَ مَعَاشاً‏}‏، وقوله‏:‏ ‏{‏وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ لِبَاساً وَالنَّوْمَ سُبَاتاً وَجَعَلَ النَّهَارَ نُشُوراً‏}‏ وقوله‏:‏ ‏{‏وَمِنْ آيَاتِهِ مَنَامُكُم بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَابْتِغَاؤُكُم مِّن فَضْلِهِ‏}‏، وقوله‏:‏ ‏{‏وَهُوَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُم بِاللَّيْلِ وَيَعْلَمُ مَا جَرَحْتُم بِالنَّهَارِ‏}‏، إلى غير ذلك من الآيات‏.‏

وقوله في هذه الآية الكريمة‏:‏ ‏{‏ولِتَعْلَمُواْ عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ‏}‏ بين فيه نعمة أخرى على خلقه، وهي معرفتهم عدد السنين والحساب‏.‏ لأنهم باختلاف الليل والنهار يعلمون عدد الأيام والشهور والأعوام، ويعرفون بذلك يوم الجمعة ليصلوا فيه صلاة الجمعة، ويعرفون شهر الصوم، وأشهر الحج، ويعلمون مضي أشهر العدة لمن تعتد بالأشهر المشار إليها في قوله‏:‏ ‏{‏وَاللَّائِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِن نِّسَائِكُمْ إِنِ ارْتَبْتُمْ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلَاثَةُ أَشْهُرٍ وَاللَّائِي لَمْ يَحِضْنَ‏}‏، وقوله‏:‏ ‏{‏وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجاً يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْراً‏}‏‏.‏ ويعرفون مضي الآجال المضروبة للديون والإجارات، ونحو ذلك‏.‏

وبين جلَّ وعلا هذه الحكمة في مواضع أخر، كقوله‏:‏ ‏{‏هُوَ الَّذِي جَعَلَ الشَّمْسَ ضِيَاء وَالْقَمَرَ نُوراً وَقَدَّرَهُ مَنَازِلَ لِتَعْلَمُواْ عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ مَا خَلَقَ اللّهُ ذَلِكَ إِلاَّ بِالْحَقِّ يُفَصِّلُ الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ‏}‏‏.‏ وقوله جلَّ وعلا‏:‏ ‏{‏يَسْأَلُونَكَ عَنِ الأهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ‏}‏، إلى غير ذلك من الآيات‏.‏

وقوله جلَّ وعلا في هذه الآية الكريمة‏:‏ ‏{‏فَمَحَوْنَا آيَةَ اللَّيْلِ وَجَعَلْنَا آيَةَ النَّهَارِ مُبْصِرَةً‏}‏ فيه وجهان من التفسير للعلماء‏:‏

أحدهما ـ أن الكلام على حذف مضاف، والتقدير‏:‏ وجعلنا نيرى الليل والنهار، أي الشمس والقمر آيتين‏.‏

وعلى هذا القول ـ فآية الليل هي القمر، وآية النهار هي الشمس‏.‏ والمحو الطمس‏.‏ وعلى هذا القول ـ فمحو آية الليل قيل معناه السواد الذي في القمر‏.‏ وبهذا قال علي رضي الله عنه، ومجاهد، وروي عن ابن عباس رضي الله عنهما‏.‏

وقيل‏:‏ معنى ‏{‏فَمَحَوْنَا آيَةَ اللَّيْلِ‏}‏ أي لم نجعل في القمر شعاعًا كشعاع الشمس ترى به الأشياء رؤية بينة‏.‏ فنقص نور القمر عن نور الشمس هو معنى الطمس على هذا القول‏.‏

وهذا أظهر عندي لمقابلته تعالى له بقوله‏:‏ ‏{‏وَجَعَلْنَا آيَةَ النَّهَارِ مُبْصِرَةً‏}‏ والقول بأن معنى محو آية الليل‏:‏ السواد الذي في القمر ليس بظاهر عندي وإن قال به بعض الصحابة الكرام، وبعض أجلاء أهل العلم?

وقوله‏:‏ ‏{‏وَجَعَلْنَا آيَةَ النَّهَارِ‏}‏ على التفسير المذكور أي الشمس ‏{‏مُبْصِرَةً‏}‏ أي ذات شعاع يبصر في ضوئها كل شيء على حقيقته‏.‏

قال الكسائي‏:‏ هو من قول العرب‏:‏ أبصر النهار‏:‏ إذا أضاء وصار بحالة يبصر بها ـ نقله عنه القرطبي‏.‏

قال مقيده عفا الله عنه‏:‏ هذا التفسير من قبيل قولهم‏:‏ نهاره صائم، وليله قائم‏.‏ ومنه قوله‏:‏ لقد لمتنا يا أم غيلان في السرى ونمت وما ليل المحب بنائم

وغاية ما في الوجه المذكور من التفسير‏:‏ حذف مضاف، وهو كثير في القرآن وفي كلام العرب إن دلت عليه قرينة‏.‏ قال في الخلاصة‏:‏ وما يلي المضاف يأتي خلفا عنه في الإعراب إذا ما حذفا

والقرينة في الآية الكريمة الدالة على المضاف المحذوف قوله‏:‏ ‏{‏فَمَحَوْنَا آيَةَ اللَّيْلِ وَجَعَلْنَا آيَةَ النَّهَارِ مُبْصِرَةً‏}‏ فإضافة الآية إلى الليل والنهار دليل على أن الآيتين المذكورتين لهما لا هما أنفسهما‏.‏ وحذف المضاف كثيرة في القرآن كقوله‏:‏ ‏{‏وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ الَّتِي كُنَّا فِيهَا وَالْعِيْرَ الَّتِي أَقْبَلْنَا فِيهَا وَإِنَّا لَصَادِقُونَ‏}‏، وقوله‏:‏ ‏{‏حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ وَبَنَاتُكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ وَعَمَّاتُكُمْ وَخَالاَتُكُمْ وَبَنَاتُ الأَخِ وَبَنَاتُ الأُخْتِ‏}‏ أي نكاحها، وقوله‏:‏ ‏{‏حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ‏}‏ أي أكلها، ونحو ذلك‏.‏

وعلى القول بتقدير المضاف، وأن المراد بالآيتين الشمس والقمر ـ فالآيات الموضحة لكون الشمس والقمر آيتين تقدمت موضحة في سورة النحل‏.‏

الوجه الثاني من التفسير ـ أن الآية الكريمة ليس فيها مضاف محذوف، وأن المراد بالآيتين نفس الليل والنهار، لا الشمس والقمر‏.‏

وعلى هذا القول فإضافة الآية إلى الليل والنهار من إضافة الشيء إلى نفسه مع اختلاف اللفظ، تنزيلًا لاختلاف اللفظ منزلة الاختلاف في المعنى‏.‏ وإضافة الشيء إلى نفسه مع اختلاف اللفظ كثيرة في القرآن وفي كلام العرب‏.‏ فمنه في القرآن قوله تعالى‏:‏ ‏{‏شَهْرُ رَمَضَانَ‏}‏، ورمضان هو نفس الشهر بعينه على التحقيق، وقوله‏:‏ ‏{‏وَلَدَارُ الآخِرَةِ‏}‏، والدار هي الآخرة بعينها‏.‏ بدليل قوله في موضع آخر‏:‏ ‏{‏ولَلَدَارُ الآخِرَةِ‏}‏ بالتعريف، والآخرة نعت للدار‏.‏ وقوله‏:‏ ‏{‏وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ‏}‏ والحبل هو الوريد، وقوله‏:‏ ‏{‏وَمَكْرَ السَّيِّئِ‏}‏، والمكر هو السيء بدليل قوله ‏{‏وَلَا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلَّا بِأَهْلِهِ‏}‏‏.‏

ومن أمثلته في كلام العرب قول امرىء القيس‏:‏

كبكر المقاناة البياض بصفرة غذاها نمير الماء غير المحلل

لأن المقاناة هي البكر بعينها، وقول عنترة في معلقته‏:‏ ومشك سابغة هتكت فروجها بالسيف عن حامي الحقيقة معلم

لأن مراده بالمشك‏:‏ السابغة بعينها‏.‏ بدليل قوله‏:‏ هتكت فزوجها‏.‏ لأن الضمير عائد إلى السابغة التي عبر عنها بالمشك‏.‏

وقد أوضحنا هذه المسألة في كتابنا ‏(‏دفع إيهام الاضطراب عن آيات الكتاب‏)‏ في سورة فاطر‏.‏ وبينا أن الذي يظهر لنا‏:‏ أن إضافة الشيء إلى نفسه مع اختلاف لفظ المضاف والمضاف إليه أسلوب من أساليب اللغة العربية‏.‏ لأن تغاير اللفظين ربما نزل منزلة التغاير المعنوي‏.‏ لكثرة الإضافة المذكورة في القرآن وفي كلام العرب‏.‏ وجزم بذلك ابن جرير في بعض مواضعه في القرآن‏.‏ وعليه فلا حاجة إلى التأويل المشار إليه بقوله في الخلاصة‏:‏ ولا يضاف اسم لما به اتحد معنى وأول موهمًا إذا ورد

ومما يدل على ضعف التأويل المذكور قوله‏:‏ وإن يكونا مفردين فأضف حتما وإلا أتبع الذي ردف

لأن إيجاب إضافة العلم إلى اللقب مع اتحادهما في المعنى إن كانا مفردين المستلزم للتأويل، ومنع الإتباع الذي لا يحتاج إلى تأويل ـ دليل على أن ذلك من أساليب اللغة العربية، ولو لم يكن من أساليبها لوجب تقديم ما لا يحتاج إلى تأويل على المحتاج إلى تأويل كما ترى‏.‏ وعلى هذا الوجه من التفسير ـ فالمعنى‏:‏ فمحونا الآية التي هي الليل، وجعلنا الآية التي هي النهار مبصرة‏.‏ أي جعلنا الليل مَمْحُو الضوء مطموسه، مظلمًا لا تستبان فيه الأشياء كما لا يستبان ما في اللوح الممحو‏.‏ وجعلنا النهار مبصرًا‏.‏ أي تبصر فيه الأشياء وتستبان‏.‏

وقوله في هذه الآية الكريمة‏:‏ ‏{‏ وَكُلَّ شَيْءٍ فَصَّلْنَاهُ تَفْصِيلاً ‏}‏ تقدم إيضاحه، والآيات الدالة عليه في سورة ‏"‏النحل‏"‏ في الكلام على قوله تعالى‏:‏ ‏{‏ وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَاناً لِّكُلِّ شَيْءٍ ‏}‏‏.‏ قوله تعالى‏:‏ ‏{‏وَكُلَّ إِنسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَآئِرَهُ فِي عُنُقِهِ وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كِتَاباً يَلْقَاهُ مَنشُوراً اقْرَأْ كَتَابَكَ كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيباً‏}‏‏.‏

في قوله جلَّ وعلا في هذه الآية الكريمة ‏{‏وَكُلَّ إِنسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَآئِرَهُ‏}‏ وجهان معروفان من التفسير‏:‏

الأول ـ أن المراد بالطائر‏:‏ العمل، من قولهم‏:‏ طار له سهم إذا خرج له‏.‏ أي ألزمناه ما طار له من عمله‏.‏

الثاني ـ أن المراد بالطائر ما سبق له في علم الله من شقاوة أو سعادة‏.‏ والقولان متلازمان‏.‏ لأن ما يطير له من العمل هو سبب ما يؤول إليه من الشقاوة أو السعادة‏.‏

فإذا عرفت الوجهين المذكورين فاعلم ـ أنا قدمنا في ترجمة هذا الكتاب المبارك‏:‏ أن الآية قد يكون فيها للعلماء قولان أو أقوال، وكلها حق، ويشهد له قرآن ـ فنذكر جميع الأقوال وأدلتها من القرآن‏.‏ لأنها كلها حق، والوجهان المذكوران في تفسير هذه الآية الكريمة كلاهما يشهد له قرآن‏.‏

أما على القول الأول بأم المراد بطائره عمله ـ فالآيات الدالة على أن عمل الإنسان لازم له كثيرة جدًا‏.‏ كقوله تعالى‏:‏ ‏{‏لَّيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ وَلا أَمَانِيِّ أَهْلِ الْكِتَابِ مَن يَعْمَلْ سُوءاً يُجْزَ بِهِ وَلاَ يَجِدْ لَهُ مِن دُونِ اللّهِ وَلِيّاً وَلاَ نَصِيراً‏}‏، وقوله ‏{‏إِنَّمَا تُجْزَوْنَ مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ‏}‏، وقوله تعالى‏:‏ ‏{‏يا أيها الإنسان إنك كادح إلى ربك كدحًا فملاقيه‏}‏، وقوله‏:‏ ‏{‏ مَنْ عَمِلَ صَالِحاً فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَسَاء فَعَلَيْهَا وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِّلْعَبِيدِ ‏}‏، والآيات بمثل هذا كثيرة جدًا‏.‏

وقوله تعالى في هذه الآية الكريمة‏:‏ ‏{‏فِي عُنُقِهِ‏}‏ أي جعلنا عمله أو ما سبق له من شقاوة في عنقه‏.‏ أي لازمًا له لزوم القلادة أو الغل لا ينفك عنه‏.‏ ومنه قول العرب‏:‏ تقلدها طوق الحمامة‏.‏ وقولهم‏:‏ الموت في الرقاب‏.‏ وهذا الأمر ربقة في رقبته‏.‏ ومنه قول الشاعر‏:‏ اذهب بها اذهب بها طوقتها طوق الحمامه

فالمعنى في ذلك كله‏:‏ اللزوم وعدم الانفكاك‏.‏ وقوله جلَّ وعلا في هذه الآية الكريمة‏:‏ ‏{‏وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كِتَاباً يَلْقَاهُ مَنشُوراً‏}‏ ذكر جلَّ وعلا في هذه الآية الكريمة‏:‏ أن ذلك العمل الذي ألزم الإنسان إياه يخرجه له يوم القيامة مكتوبًا في كتاب يلقاه منشورًا، أي مفتوحًا يقرؤه هو وغيره‏.‏

وبين أشياء من صفات هذا الكتاب الذي يلقاه منشورًا في آيات أخر‏.‏ فبين أن من صفاته‏:‏ أن المجرمين مشفقون أي خائفون مما فيه، وأنه لا يترك صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها، وأنهم يجدون فيه جميع ما عملوا حاضرًا ليس منه شيء غائبًا، وأن الله جلَّ وعلا لا يظلمهم في الجزاء عليه شيئًا‏.‏ وذلك في قوله جلَّ وعلا‏:‏ ‏{‏وَوُضِعَ الْكِتَابُ فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ وَيَقُولُونَ يَا وَيْلَتَنَا مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لَا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِراً وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَداً‏}‏‏.‏

وبين في موضع آخر‏:‏ أن بعض الناس يؤتى هذا الكتاب بيمينه ـ جعلنا الله وإخواننا المسلمين منهم‏.‏

وأن من أوتيه بيمينه يحاسب حسابًا يسيرًا، ويرجع إلى أهله مسرورًا، وأنه في عيشة راضية، في جنة عالية، قطوفها دانية‏.‏ قال تعالى‏:‏ ‏{‏فأما من أوتي كتابه بيمينه فسوف يحاسب حسابا يسيرا وينقلب إلى أهله مسرورا‏}‏، وقال تعالى‏:‏ ‏{‏فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ فَيَقُولُ هَاؤُمُ اقْرَؤُوا كِتَابِيهْ إِنِّي ظَنَنتُ أَنِّي مُلَاقٍ حِسَابِيهْ فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَّاضِيَةٍ فِي جَنَّةٍ عَالِيَةٍ قُطُوفُهَا دَانِيَةٌ‏}‏‏.‏

وبين في موضع آخر‏:‏ أن من أوتيه بشماله يتمنى أنه لم يؤته، وأنه يؤمر به فيصلى الجحيم، ويسلك في سلسلة من سلاسل النار ذرعها سبعون ذراعًا‏.‏ وذلك في قوله‏:‏ ‏{‏وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِشِمَالِهِ فَيَقُولُ يَا لَيْتَنِي لَمْ أُوتَ كِتَابِيهْ وَلَمْ أَدْرِ مَا حِسَابِيهْ يَا لَيْتَهَا كَانَتِ الْقَاضِيَةَ مَا أَغْنَى عَنِّي مَالِيهْ هَلَكَ عَنِّي سُلْطَانِيهْ خُذُوهُ فَغُلُّوهُ ثُمَّ الْجَحِيمَ صَلُّوهُ ثُمَّ فِي سِلْسِلَةٍ ذَرْعُهَا سَبْعُونَ ذِرَاعاً فَاسْلُكُوهُ‏}‏ ـ أعذانا الله وإخواننا المسلمين من النار، ومما قرب إليها من قول وعمل‏.‏

وبين في موضع آخر‏:‏ أن من أوتي كتابه وراء ظهره يصلى السعير، ويدعو الثبور‏.‏ وذلك في قوله‏:‏ ‏{‏وأما من أوتي كتابه وراء ظهره فسوف يدعو ثبورا ويصلى سعيرا‏}‏، وقوله تعالى‏:‏ ‏{‏اقْرَأْ كَتَابَكَ كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيباً‏}‏ يعني أن نفسه تعلم أنه لم يظلم، ولم يكتب عليه إلا ما عمل‏.‏ لأنه في ذلك الوقت يتذكر كل ما عمل في الدنيا من أول عمره إلى آخره‏.‏ كما قال تعالى‏:‏ ‏{‏يُنَبَّأُ الْإِنسَانُ يَوْمَئِذٍ بِمَا قَدَّمَ وَأَخَّرَ‏}‏‏.‏

وقد بين تعالى في مواضع أخر‏:‏ أنه إن أنكر شيئًا من عمله شهدت عليه جوارحه‏.‏ كقوله تعالى‏:‏ ‏{‏الْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلَى أَفْوَاهِهِمْ وَتُكَلِّمُنَا أَيْدِيهِمْ وَتَشْهَدُ أَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ‏}‏، وقوله‏:‏ ‏{‏وَقَالُوا لِجُلُودِهِمْ لِمَ شَهِدتُّمْ عَلَيْنَا قَالُوا أَنطَقَنَا اللَّهُ الَّذِي أَنطَقَ كُلَّ شَيْءٍ وَهُوَ خَلَقَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ وَمَا كُنتُمْ تَسْتَتِرُونَ أَنْ يَشْهَدَ عَلَيْكُمْ سَمْعُكُمْ وَلَا أَبْصَارُكُمْ وَلَا جُلُودُكُمْ وَلَكِن ظَنَنتُمْ أَنَّ اللَّهَ لَا يَعْلَمُ كَثِيراً مِّمَّا تَعْمَلُونَ وَذَلِكُمْ ظَنُّكُمُ الَّذِي ظَنَنتُم بِرَبِّكُمْ أَرْدَاكُمْ فَأَصْبَحْتُم مِّنْ الْخَاسِرِينَ‏}‏، وقوله جلَّ وعلا ‏{‏بَلِ الْإِنسَانُ عَلَى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ وَلَوْ أَلْقَى مَعَاذِيرَهُ‏}‏، وسيأتي إن شاء الله لهذا زيادة إيضاح في سورة القيامة‏.‏